يقول: "فإن قيل: هذه بشارة بملكه وظهوره؛ قيل: الملك ملكان: ملك ليس فيه دعوى نبوة".
أي: أنهم يقولون:هذا ليس بنبيّ، والقرآن ليس حقاً، فهو إنما بُشر بأن يكون له ملك و ظهور فقط، لكن لا يقتضي ذلك أن ما جاء به هو الحق، وأنه نبوة.
ثم قال
شيخ الإسلام : "قيل: الملك ملكان؛ ملك ليس فيه دعوى نبوة، وهذا لم يكن لبني إسماعيل على الجميع".
وهذا وإن حصل لبني إسماعيل، لكنه لم يحصل لهم أن ملكوا جميع الأمم كما هو المطلوب.
ثم قال
شيخ الإسلام : "وملك صدر عن دعوى نبوة، فإن كان مدعي النبوة كاذباً: ((
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ))[الأنعام:93]، فهذا من أشر الناس وأكذبهم وأظلمهم وأفجرهم، وملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع نبوة كـ
بختنصر و
سنحاريب".
يعني: أن ملك من يدعي النبوة وهو كاذب شر وأظلم وأفجر من الملك الذي لم يقترن بدعوى النبوة مهما كان ظالماً، فالروم والفرس وغيرهم من الأمم الظالمة المستبدة أخف وأهون جرماً من ملك من يدعي النبوة، ويتسلط على الناس باسم النبوة وهو كاذب.
قال
ابن تيمية : "ومعلوم أن الإخبار بهذا لا يكون بشارة".
أي: لا يمكن أن يكون هذا بشارة لـ
هاجر، بأنه سيكون من ذريتك من يدعي النبوة، ويفعل هذا الافتراء وهذا الجرم العظيم، ويظلم الناس.
وقد تقدم في موضوع النبوات: أن من الأدلة الواقعية على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى يظهره ويمكن له رقاب الأمم، ومع ذلك فملكه ظاهر وشأنه ظاهر، ولا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يديم الكذب والظلم، وعليه فلا يوجد كذب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي العصر الحديث كما يقال: أطول فترة دامت لحاكم كانت هي فترة
ستالين أو
فرنكو أو
تيتو، ثم بعد ذلك أحرقت تماثيلهم، وهاهم يلعنـون ليل نهار، فلا يمكن أن يستمر الكذب، وهذا من حكمة الله.
أما من استمر معظماً عند أتباعه فلا يمكن أن يكون ما جاء به إلا حقاً، مع أن الأدلة -والحمد لله- كثيرة جداً؛ فحكمة الله تقتضي نفي أن يكون كاذباً دجالاً، بل تقتضي أن يكون صادقاً مرسلاً من عند الله.
قال
ابن تيمية : "ومعلوم أن الإخبار بهذا لا يكون بشارة، ولا تفرح
هاجر وإبراهيم بهذا، كما لو قيل: يكون جباراً طاغياً يقهر الناس على طاعته ويقتلهم، ويسبي حريمهم، ويأخذ أموالهم بالباطل، فإن الإخبار بهذا لا يكون بشارة، ولا يسر المخبر بذلك".
أي: واليهود والنصارى يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كاذب ومفترٍ، وأمته أمة سفاكة للدماء، فنقول: سبحان الله!! كتابكم أنتم يبشر به، فهل يعقل أن الله سبحانه وتعالى يبشر إبراهيم ويبشر
هاجر بأنه سيكون من ذريتكما بطاش سفاك سفاح يقتل العالم!! أهذه بشارة يفرح بها؟! فلو قيل لأي واحد منهم: ولدك سيكون سفاحاً مجرماً، فهل سيفرح؟ وهل تكون هذه بشارة؟! فهم مسلمون لنا بالبشارة؛ ولكنهم ينكرون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نلزمهم بذلك.
قال
ابن تيمية : "وإنما تكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل، وكان علوه محموداً لا إثم فيه، وذلك من مدعي النبوة لا يكون إلا وهو صادق لا كاذب".